اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 460
وقد تتلمّس العيب لأخيك، ويتاح لك أن تراه على حال غير مرضية فى ظنك، كأن تراه مع امرأة لا تعرفها يضحك لها وتضحك له، فتنشر ذلك عنه، وتتحدث به، ثم يتبيّن لك بعد ذلك أنها زوجته أو أخته، فتندم وتتألم.
وقد تنقل عن أخيك قولا لم تفهم مغزاه، أو عملا لم تدرك ملابساته وظروفه، وتنتقصه بذلك وتعيبه، ثم يتبيّن لك أن ذلك غير صحيح، فتندم وتتألم.
لهذا نهى الله المؤمنين عن هذه الخصال الثلاث، وأوصاهم بتركها والبعد عنها.
[ترتيب دقيق]
وإذا تأمّلت رأيت دقة الترتيب ومتانة الصلة بينها، فهى جميعا أخوات يستتبع بعضها بعضا، وتكون ثلاث حلقات متّصلة أشدّ الاتصال فى سلسلة الشرور والآثام، يبدأ الأمر بظنّ سيئ، فيحمل هذا الظن صاحبه على التجسّس، وأن يتحدّث بما توهّم من عيوب ونقائص، فيكون قد ارتكب الجرائم الثلاث جميعا، وقلّما يقتصر الأمر على واحدة.
[الظنّ: ما يحمد منه وما يكره]
ولما كان من الظنون ما هو حسن جميل كأن تظنّ بإخوانك المؤمنين الخير والكمال والاستقامة، بل إنّ من الظنون التى تتصل بناحية النقص فى المظنون به ما هو خير، وذلك أن يحمل الظن على الاحتراس، والأخذ بالحيطة، والحذر دون انتقاص، أو عيب، أو ظلم، أو عدوان، أو مؤاخذة، لما كان ذلك كذلك عبّر الحق تبارك وتعالى فى النهى عن الظن باجتناب الكثير منه، وبأنّ بعض الظن إثم، حتى تكون هذه الأنواع التى ينجم عنها الخير خارجة عن النهى [1]. [1] بيّن الإمام الكيا الهراسى أنواع الظنون وما يجوز منها وما لا يجوز فقال:" فى الظنون ما هو محظور، مثل سوء الظن بالله تعالى، وسوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة.
وكل ظن استند العلم به إلى دليل يقينى، فالعمل به واجب. كالشهادات وقبولها وقيم المتلفات والأقيسة.
وقد يكون الظن مباحا، كقول أبى بكر لعائشة رضي الله عنها: ألقى فى روعى أن ذا بطن خارجة جارية، فاستجاز هذا الظن لما وقع فى قلبه.
وأما الظن المندوب إليه، فهو حسن الظن بالأخ المسلم". انظر:" أحكام القرآن" للكيا الهراسى (4/ 384).
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 460